عن الذكري كأمر إلزامي: عشرة أعوام علي الربيع العربي
Door Maha El Hissy, op Thu May 20 2021 19:00:00 GMT+0000تشير الباحثة في الأدب ودراسات الحضارة الألمانية ألايدا أسمان في كتاباتها عن الذكري السنوية واليوبيلات الفضية والذهبية وغيرها علي أنها جزء من طقوس تحدد ملامح الذاكرة الثقافية للأمم وتحول الذكري من شكلها الفردي لشكل جماعي. أدركت يوم ٢٥ يناير ٢٠٢١ وفي الأيام اللي سبقت واللي تبعت هذا التاريخ أن كل الطقوس واليوبيلات إلخ ما هي إلا مراسم لفرض ثقافة وسياسة النسيان علي باقي أيام العام. قرأت في عدد صحف ألمانية وأمريكية مقالات بالإضافة لتنويهات مختلفة عن محاضرات نظمت تحت مسمي "عشرة أعوام بعد ثورة يناير" لتقييم الوضع في المنطقة. يأتي كل هذا إيحاء لذكري لم ننساها من الأساس. قد يكون الهدف من الطقوس واليوبيلات هو إستدعاء حدث متواجد بشكل مستمر علي صعيد محلي وإعلانه ذكري علي المستوي العالمي في أيام معينة عن دونها ، فيأتي الإحتفاء بالذكري شبيها بتأدية واجب علي قائمة الواجبات أو طلب علي ليستة المشتروات. أدرك كباحثة من أصل مصري تكتب في ألمانيا والمملكة المتحدة أن عدم تزامن الذكري ما هو إلا واحدة من خصائص حالة ما بعد الهجرة والتي تحتم الوفاء تجاه والإلتزام بالذكري كوضع دائم علي صعيد داخلي من جانب، وإيقاع تذكر ونسيان يفرضه الغرب من جانب أخر ويأتي متمثلا في من حولي، إيقاع يسيطر علي التيار العام في حين إيقاعي الداخلي يسير عكس هذا التيار.
هناك أيام وأحداث مرت علي من حولي في أوروبا علي أنها أيام عادية جدا تكاد تكون رتيبة في حين أنها ارتبطت في ذاكرتي الشخصية بأحداث الثورة المحفورة في ذهني. طابع الحياة البرجوازي في مدينة ميونخ الألمانية – وفي أغلب مدن ألمانيا بشكل عام – استقبل أحداث الثورة علي أنها دخيل لا علاقة له بألمانيا. يغلب علي طبيعة التأريخ وثقافة التذكر في ألمانيا طابع ضيق الأفق لا يتسع للعوالم المختلفة. وبالتالي استقبل الشارع الأماني الثورة علي أنها حدث بعيد عن الحياة اليومية في ألمانيا رغم أن وقفاتنا الإحتجاجية هتفت ضد تصدر ألمانيا قائمة الدول المصدرة للسلاح لمصر. حاولنا لفت إنتباه الحكومة الأمانية لدورها في أحداث الثورة، وتلقت مصر بعدها أسلحة وغيرها من الواردات والإمدادت لجهاز الشرطة أغلبها يحمل علامة صنع في ألمانيا. كما وجهنا بعض الهتافات أثناء تظاهراتنا ووقفاتنا الإحتجاجية ضد نفاق الحكومة الأمانية التي دعمت نظام مستبد لسنين طويلة وتغاضت عن ممارساته مقابل دور مصر في المنطقة المحتقنة في حفظ التوازن بين إسرائيل وفلسطين مما يصب بدوره في النهاية في مصلحة ألمانيا التي تبحث عن تصالحها مع تاريخها.
منذ بداية الثورة تلاشت تفاهة الحياة اليومية للعديد منا الذي شارك سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في أحداث يناير التاريخية. من مفارقات نصي هذا أنه عبارة عن محاولة وفي نفس الوقت صراع لتوظيف الكتابة مع وفي نفس الوقت ضد حتمية التذكر وإلزامنا به. هذا النص يمجد الذكري في ما قد يبدو أنه يوم عادي جدا في بدايات الصيف في شهر مايو. ولكن علي صعيد شخصي يأتي هذا النص ليذكرني بأحداث مر عليها عشر سنوات. كنت في القاهرة في مثل هذا الوقت من العام وشاركت في مليونية وفي العديد من فعاليات ما بعد يناير بما فيها جولة للدراجات انتهت بنا في شوارع الكوربة حيث رسمنا طريقا للعجل علي مقربة من قصر الرئاسة. لن أنسي شعور إعادة إمتلاك شوارع لم تكن أصلا شوارعنا في البداية. الذكري محفورة في كل الأماكن وعلي مدار جميع الأيام، مثل يوم ٢٩ نوفمبر ٢٠١٤ حينما اجتمع عدد من الأصدقاء وأفراد العائلة لحضور حفل زفاف أختي في فرنسا. وأثناء إستعداداتنا للحفل، أذاع الراديو خبر الحكم بالبراءة لمبارك. يتشابك كل ما هو شخصي مع كل ما هو سياسي علي الأقل في حياتنا كأجيال ما بعد الإستعمار. وحتي قبل ميعاد حفل الزفاف وأثناء إحتفاليات ما قبل الفرح ارتبطت الأحداث في ذاكرتي الشخصية بأحداث محمد محمود، فقبل هذا التاريخ بثلاثة أعوام شهد شارع العيون معارك كتبت تاريخ الثورة علي الأجساد. غطت رسوم الجرافيتي الأسوار لتذكرنا بالمعارك التي شهدها هذا الشارع وبقنص العيون. طمست الرسوم بعد حين، وبقيت الإصابات كأثر دائم علي الأجساد. كيف لنا أن ننسي؟ وكيف لنا أن نربط النظم المستبدة بتواريخ وأيام؟
سيظل المعتقلون والسجناء السياسيون هم السبب الأساسي وراء رفضي لتقييد الذكري بتاريخ أو ميعاد أو يوم ما. إحياء ذكري يناير في أيام بعينها دون أيام أخري يشابه شعور بخيانة كل من هم وراء القضبان الذين يدفعون الثمن بالنيابة عن الجميع.
#FreeAlaa
#FreeMahienour
#FreeSanaa
#FreePatrickZaki
#FreeBaker
#FreeMoka
#FreeDouma
#FreeHoda
#FreeAhmedSamir
#FreeAllUnjustlyDetained
يقودني هذا لوضع أخر مركب ومتشابك لوصف حالنا في فترة ما بعد الإستعمار وما بعد الهجرة: الإستبسال من أجل التحرر من جميع أشكال السيطرة ووضع اليد والإمتلاك، وفي نفس الوقت الإعتراف بآليات التبعية التي تجعلنا نتطلع لضغط المجتمع الدولي علي الدول القامعة لشعوبها. لن أنكر أن أكبر سبب لمساندتي الهيستيرية لجو بايدن كانت رغبة وأمال أن نري سجناء الرأي خارج السجون. وفقدت بعض الأصدقاء يوم فوز بايدن بإنتخابات الرئاسة حينما هللت لفوزه وبإنفعال مفرط.
"الأمل كاليأس خيانة ولكنه كاليأس - أيضا - ضعف إنساني طبيعي." اتذكر كلمات كتبها علاء عبد الفتاح وأحمد دومة في محبسهما ، كلاهما سجين لكل نظام، كلاهما في الحبس حتي اليوم. كيف يتذكر السجناء السياسيين أحداث الربيع العربي؟ كيف يمر الوقت عليهم؟ ما هو شعورهم بالوقت؟ كيف يبدو لهم إيقاع الذكري؟ أيمجدون ذكري أي من هذه الأحداث التي مر عليها عقد من الزمن؟ أدرك أن النسيان يميز البعض منا عن غيرهم، وأنه ليس خيار.
*تمت إعادة كتابة المقال وبتصرف باللغة العربية.